فايز الغامدي
فايز الغامدي
-A +A
فايز الغامدي fayez_gh@
ثمة أشياء نعرفها جيداً قبل قدومها، تتسلل إلينا بهدوء جميل وتوقظنا برفق، نسمعها في محيطنا بوضوح، نشم رائحتها، نراها في كل التفاصيل المجاورة...

لا يأتي رمضان فجأة، تسبقه لحظات جميلة.. في جدة -مثلاً- تتأهب المتاجر، تشرئبّ المنارات، تُعلّق الفوانيس ومفارش الزينة، تُباهي المطاعم بأفضل الأصناف لديها، وتفيق المصاحف بعد سباتٍ عميق!


عادةً ما تسبق رمضان لحظاتٌ خالدة، كتلك اللحظات التي تسبق أي شيء يحدث مرةً واحدةً في العمر، ولكن في رمضان تتكرر اللحظات بتكرر رمضان كل عام، وذلك ما يُسبغ عليه روحانية وقدسية لا يشبهها شيء آخر..

لا يمكن أن تنتشر الروحانية في السماء كما تنتشر في رمضان.. لا تحتاج إلى عناء كبير لتعرف أن رمضان قد أهلّ، تستطيع أن تعثر على رمضان بسهولة وأنت تسير في الشارع، أو في طريقك إلى المسجد، وأنت عائد إلى بيتك كذلك، يمكنك أن تشاهد رمضان بوضوح في أعلى المنارات، ومداخل البنايات والمساجد، وبين المتطوعين الذين يوزعون الوجبات المغلفة عند إشارات المرور.. ستعرف أن رمضان قد أهلّ إذا تحوّلت المدينة عصراً إلى صاج كبير لقلي السمبوسة وامتدت طوابير البشر أمام بائعي الفول...

في رمضان يزدحم كل شيء، يظهر أناس يختفون طوال العام، يظهرون في رمضان فقط، في المساجد، والمتاجر، والشوارع، والخياطين، والأسواق وشاشات التلفاز.. ينسى كثيرون أن هنالك ١١ شهراً أخرى في السنة.. يحتشدون في رمضان فقط، وكأنه ذروة العام، لذلك يبدو «شوال» طويلاً وخالياً ووحيداً وخائفاً، يقبل شوال كضيفٍ متأخر إلى حفلة صاخبة منتهية للتوّ!

رمضان لا يأتي وحيداً أبداً.. تسبقه لحظات جميلة وذكريات أجمل.. كذلك لا يغادر إلا مصطحباً معه كثيراً من الذكريات واللحظات الرائعة، لا يغادر إلا وقد وزّع الحلوى على الكل بالتساوي، وأودع في قلوب الصائمين عيده السعيد.